الدكتور احمد برقاوي
اشتركت في برنامج تلفزيوني عنوانه« المثل الأعلى» وكان المخرج قد ارتأى أن تحضر مجموعة من المنتسبين إلى شبيبة الثورة في الجمهورية العربية السورية.
كان الموضوع شيقاً, يختصر بسؤال: من هو المثل الأعلى لديك? بعد أن شرحت لمقدمة البرنامج معنى المثل الأعلى ولماذا يرى بعض الناس في هذا الرمز أو ذاك من رموز الوطن أو الأمة أو الإنسانية مثلا أعلى.
التفتت مقدمة البرنامج إلى جمهور الشبيبة وراحت تسأل: من هو المثل الأعلى لديك, ويبدأ الشاب جوابه: أنا الرفيق الشبيبي فلان.. من وحدة شبيبة كذا.. مثلي الأعلى هو أبي لأنه... وآخر يقول مثلي الأعلى أخي الأكبر, وثالث: مثلي الأعلى هي أمي ورابع جدتي وخامس... واحد من المسؤولين الشباب أجاب أن مثله الأعلى: جورج وسوف.
لقد أصبت بخيبة أمل شديدة جدا, هؤلاء الشباب الذين من المفترض أنهم يتلقون ثقافة قومية ووطنية وأخلاقية وأدبية ليس أمامهم من مثل عليا سوى الأباء والأمهات والأجداد والأخوة والعمات والخالات وجورج وسوف كاستثناء.
لاشك أن كل واحد منا يبني علاقة حب مع أهله وعلاقة احترام ويمكن أن يكون الأب مثلا أعلى لكن المثل العليا من الأفراد رموز وطنية قومية علمية عصامية مبدعة احتلت مكانا في الوجدان لأنها قامت بما لا يستطيع الكثيرون القيام به.
لم يذكر أحد مثلا: خالد بن الوليد, أو يوسف العظمة, أو عز الدين القسام أو بدوي الجبل أو نزار قباني أو عبد السلام العجيلي أو حنا مينه, أو خير الدين الأسدي, أو الجاحظ, أو عبد الكريم الخطابي, أو جمال عبد الناصر, لم يذكر أحد حكمت محسن لم يذكر أحد نهاد قلعي أو.. الخ.
ترى أي ثقافة ضيقة لدى هؤلاء الشباب, لكن بالتأكيد هم ليسوا مسؤولين عن هذا المستوى المتدني من الثقافة.
التعليم مسؤول, والإعلام مسؤول, والمكتبات مسؤولة, والفن مسؤول, الدراما, الرسم, النحت, الشعر, ....!!
ترى لماذا نترك هذه الأجيال نهباً للثقافة المنحطة بحيث لم يعد من مثل عليا أمامهم سوى العمات والخالات والأعمام ونحشو أرواحهم الطرية بالغناء المنحط والدعايات الوقحة.
هل هناك شعب في الدنيا يهمل رموز ثقافته الوطنية, رموز كفاحه الوطني, رموز مبدعيه.
أجل لقد سألت خريجين من الجامعة عن ميشيل عفلق, مؤسس الحزب الذي يحكم الآن ومنذ نصف قرن تقريبا, لم يسمع به أحد, شباب ولدوا في عهد البعث ودخلوا خريف العمر ولا يعرفون اسم مؤسس البعث, لم يسمعوا به.. أي فضيحة هذه?.
ماذا تعني الثقافة الوطنية والثقافة القومية إن لم تعنِ تلك الرموز التي تركت آثارها الإيجابية على حياتنا?.
أسأل وفي فمي مرارة: ماذا تعني كتب الثقافة القومية التي يمتحن بها الطلاب في المدارس الثانوية وفي الجامعات, إذا لم تكن كتبا تغرس الوعي والمعرفة بثقافة الوطن ورموزه العظيمة.
ما هذه الذاكرة الفارغة التي صارت عليها ذاكرة الأجيال.
بشر بلا ذاكرة وطنية بلا ذاكرة قومية بلا رموز مؤثرة في الحياة, بشر أميون بامتياز, بشر يضعف فيهم الحس الوطني.
كم كان أمراً مهماً عرض المسرحية الغنائية في الشام والخليج عن أبي الطيب المتنبي لمنصور الرحباني.
إنه مثال على أهمية أن نجعل من ثقافتنا المعاصرة غنية بصانعي الحياة, أجل رموزنا صناع الحياة التي علينا أن نستمر في صناعتها دون توقف ودون أن نهيل التراب على أنوارنا.
الرئيسية 
موضوع: الرموز الوطنية أو المثل الأعلى